Get Mystery Box with random crypto!

لن أنسى ذلك اليوم الذي كنت فيه طبيباً مقيماً في قسم الجراحة عن | دكتور بيرج بالعربي

لن أنسى ذلك اليوم الذي كنت فيه طبيباً مقيماً في قسم الجراحة عندما تلقّيت مكالمة من قسم الطوارئ حوالي الساعة الثانية صباحاً لأحضر بعدها وأرى امرأة مصابة بالقرحة السكّرية في قدمها. ما زلت أتذكر شيئاً من رائحة اللحم المتعفن في قدمها وأنا أفتح الستارة لأراها. الجميع هناك كان يعلم أن هذه المرأة مريضة جداً وأنها بحاجة إلى البقاء في المستشفى فلم يكن ذلك بحاجة إلى سؤال. لكن السؤال الذي كان علي أن أجيب عليه، هل تحتاج هذه المريضة أيضاً إلى بتر لقدمها ؟ والآن عندما أعود بذاكرتي إلى تلك الليلة أتمنى وبشدة أن أصدق أني عالجت هذه المرأة بالقدر ذاته من التعاطف الذي أظهرته لتلك المرأة حديثة الزواج والتي كانت تبلغ 27 عاماً عندما أتت إلى قسم الطوارئ قبلها بثلاث ليالي وهي تعاني من آلام أسفل الظهر ليتبيّن بعدها أنها مصابة بمرحلة متقدمة من سرطان البنكرياس. كنت أعلم أنه لم يكن هناك ما يمكن فعله لإنقاذ حياتها. فالمرض كان في حالة متقدمة جداً. لكنّي كنت ملزِماً نفسي بعمل كل ما هو ممكن لأجعلها تشعر بالراحة. جلبت لها بطانية وفنجان من القهوة. لكن الأهم من ذلك هو أني كما ترون لم أطلق أحكامي أو آرائي عنها حينها فلم يكن لها يد في إصابتها بالمرض. إذاً لماذا وبعد هذه الحادثة بليال قليلة وأنا أقف في قسم الطوارئ ذاته لأقرر بأن قدم هذه المريضة تحتاج وبكل تأكيد إلى بتر.. لماذا كانت نظرتي وآرائي عنها مشوبة بقلّة الاحترام والقسوة؟
بخلاف المريضة التي قدمت قبلها بليال هذه المرأة كانت مصابة بالنوع الثاني من داء السكري. كانت تعاني من السمنة. وكلنا يعلم أن سبب ذلك هو الإفراط في كميات الطعام المتناولة وعدم ممارسة الرياضة لوقت كافي، أليس كذلك؟ ما مدى صعوبة ذلك؟ بينما أنا أنظر إليها وهي مستلقية على سريرها، قلت في نفسي لو أنكِ فقط حاولتِ الاهتمام قليلاً ما كنتِ لتكوني في هذا الموقف الآن مع طبيب لم يسبق لك أن قابلته وهو على وشك بتر قدمك. لماذا شعرتُ بالإنصاف حينها وأنا أطلق أحكامي وآرائي عنها؟ إنّي أتمنى أن أقول بأنّي لا أعلم. لكني في الحقيقة أعلم. في سنوات شبابي الأولى كنت أعتقد بأني مدرك لجميع جوانب حالتها ومن هم مثلها. كانت تأكل بكميات كبيرة ، ولسوء الحظ أصيبت بداء السكري. هذا كل ما في الأمر، انتهت القضية. الداعي للسخرية أني في تلك الفترة من حياتي كنت أعمل على بحث عن مرض السرطان وبالتحديد عن العلاجات المعتمدة على المناعة لسرطان الجلد وقد تعلمت آنذاك أن عليّ أن أتساءل عن كل شيء، أن أتحدى وأختبر كل الفرضيّات وفقاً للمعايير والأسس العلمية. وعندما توقف الأمر على مرض كالسكري والذي يتسبب في وفاة مرضى أكثر بثمان مرات من المصابين بسرطان الجلد لم أتساءل يوماً عن الحقيقة بل اكتفيت باعتقاد أن سلسلة الاحداث المرضية التي تصحب مرض السكري هي علم ثابت لا جدال فيه.